ملامح عربية-إسلامية في سوناتات الحياة الجديدة لدانتي

فصل في كتاب "دراسات وبحوث مهداة إلى الدكتور أحمد الهواري"، تحرير: خالد فهمي ووجيه يعقوب، (الوادي للثقافة والنشر، القاهرة، 2021).

هل يعد دانتي أليغيري (1265-1321) صاحب “الكوميديا الإلهية“، وأمير أدباء إيطالية-عصر النهضة، أديباً عالمياً؟ وهل ثمة ما يؤهله للدخول إلى دائرة الأدب العالمي؟

إذا كان من شروط التأهل لهذه المنزلة تجاوز ما ألفه الأديب من أعمال أدبية في انتشاره حدي الزمان والمكان، وعائقي اللغة والثقافة، فإن دانتي المقروء على نحو واسع في مختلف أنحاء المعمورة، وعلى مدى القرون العديدة التي مرت بعد رحيله عن عالم الدنيا، والمترجَم إلى مختلف، بل أغلب اللغات الحية، بما فيها اللغة العربية، والمحتفى به نقدياً، ومقارنياً في مختلف التقاليد الأدبية، ولا سيما التقليد الأدبي المقارني العربي من خلال دراسة صلات رائعته التي خلدته بالمرويات الإسلامية المتصلة بالعالم الآخر (المعراج، والفتوحات المكية لمحيي الدين بن عربي، وغيرهما) والنصوص المقدسة (القرآن الكريم)، والروائع العربية (رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد الأندلسي)، يحمل جواز سفر رفيع يؤهله للدخول وهو مرفوع الرأس فخراً واعتزازاً بمنجزاته، التي منحته أعماراً عديدة بعد موته، إلى محراب الأدب العالمي، بل والفن العالمي، والثقافة العالمية الإنسانية كذلك.

والواقع أن ثمة إجماعاً عالمياً على قوة تأثير دانتي المستمر والواسع والغني والمتنوع، والممتد أكثر من ستة قرون،  في مختلف الثقافات والآداب العالمية منذ عصر النهضة وحتى يومنا هذا. ذلك أن تأثيره قد امتد إلى:  

  • مختلف الآداب القومية: الأوربية وغير الأوربية؛
  • ومختلف المعارف الإنسانية التي كان لدانتي، بوصفه رجلاً متميزاً من كبار رجال عصر النهضة، إسهام مهم فيها؛
  • ومختلف الفنون الجميلة ولاسيما الرسم والنحت والموسيقى  والغناء؛ 

ويكفي أن يذكر المرء أن تأثير دانتي في الآداب المكتوبة بالإنكليزية، يشمل، على سبيل المثال، أعلاماً من مثل جفري تشوسر،  وفيليب سيدني، وجون ميلتون، وجيرمي تيلور، والسير ت. براون، وجوناثان ريتشادسون، وتوماس غراي، وويليام بليك، ولورد بايرون، وشيللي، وتوماس كارلايل، وإزرا باوند، وت. س. إليوت، وويليام بتلر ييتس، وجيمس جويس، وصموئيل بيكيت وغيرهم؛ وأن ترجمات الكوميديا  الإلهية بأجزائها الثلاثة إلى الإنكليزية أكثر من أن تحصى، وأن الدراسات والشروح والأبحاث والرسائل الجامعية المتعلقة بدانتي وآثاره والمتيسرة بهذه اللغة بحاجة إلى عدة مختصين لمسحها وتقويمها، حتى يتبين استحالة دراسة تأثير دانتي في أدب قومي واحد، بَلْهَ عِدَّة آداب قومية، أو الأدب العالمي عامة.

ولما كان التأثير الواسع لدانتي وآثاره في مختلف الآداب والفنون والمعارف الإنسانية مستمر لم يعرف أي فتور على مدى القرون الستة ونيف فربما كان من العبث أن يفكر المرء في أن يكتب  بمفرده بحثاً عن جذور هذا السحر الذي يتمتع به أدب دانتي والذي يتجاوز الحدود اللغوية، والقومية، والزمانية، والمكانية، والمعرفية، لأن بحثاً كهذا بحاجة إلى مجموعة كبيرة من الفرق البحثية التي يمكن أن تتفحص فُسَحَ هذا التأثير في مختلف التقاليد الثقافية والأدبية القومية وتحدد وجوهها وملامحها على نحو موضوعي موثق. ولذا فإنه من الحكمة الاكتفاء بالوقوف على وجه من وجوه هذا التأثير المستمر لكتاباته في مختلف الآداب والفنون والمعارف والعصور. وربما كان الدور الذي أدّاه دانتي في إشاعة شكل السوناتا Sonnet في الشعر الغنائي الأوربي، منذ أيامه وحتى يومنا هذا، من أبرز وجوه التأثير الدانتي في الأدب الغربي عامة، وهو ما يمكن أن يتضح من خلال مناقشة موجزة لسوناتات دانتي في ديوانه La Vita Nouva، (الحياةالجديدة)، ومن ثَمَّ تقديم دراسة عجلى للتأثير العربي-الإسلامي في شكلها من جهة، وفي محتواها وما يسودها من حساسيات نفسية وفنية مستلهمة من الثقافة العربية-الإسلامية من جهة أخرى. ولما كان هذا التأثير قد انتقل إلى دانتي عبر شعراء التروبادور الذين كانوا موضع إعجابه المستمر،  ومحاكاته، بل واقتباسه أيضاً، فإنه لا بد من الإشارة إلى صلات دانتي بهم، وإلى سبل لقاءاته بأناشيدهم التي خلبت ولا تزال، لب الجمهور الأوربي المولع بشعر الحب عبر القرون. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو كيف تم هذا الانتقال؟ 

لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *